هذا ما صرح به الناطق باسم الأسطول الأمريكي الخامس الملازم ناثان كريستنسن تعليقاً على خطف مزيدٍ من السفن وناقلات النفط في بحر العرب وسائر أنحاء المحيط الهندي.
هل هو إعلان عجز؟ أم بيان تبرير لإخفاق أكبر أسطول بحري في تاريخ البشرية في كسر شوكة قراصنة التاريخ المعاصر؟ أم ان ثمة دافعاً مستتراً وراء الإخفاق المتعمد سيظهر في قابل الأيام؟
قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي الإشارة إلى ان عدد السفن التي خُطفت هذه السنة على أيدي القراصنة في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية بلغ 95 سفينة، بينها 11 هجوماً في الفترة من 10 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 16 منه فقط، أي ضعفي عدد السفن التي خطفت في سنة ،2007 وقد سيطر القراصنة على 36 من السفن التي هاجموها، وهم يحتجزون منها في الوقت الحاضر 14 سفينة وأفراد طواقمها وعددهم 268 بحاراً.
أعظم هذه السفن وأثمنها ناقلة النفط السعودية “سيريوس ستار” البالغ طولها 330 متراً والبالغة حمولتها نحو مليوني برميل من النفط الخام، أي أكثر من ربع الصادرات اليومية للسعودية.
يستخدم القراصنة الصوماليون زوارق سريعة “مجّهزة ومنظّمة بصورة جيدة”، حسب قول بيلي محمود قابوساد مستشار رئيس منطقة بونتلاند التي أعلنت استقلالها من جانب واحد!
هل يعقل ان تكون أساطيل دول أمريكا وأوروبا وآسيا عاجزة عن حماية السفن التي تملكها أو تلك المستأجرة لنقل سلع ومواد ضرورية لمعيشة شعوبها ونفطاً لمصانعها ومرافق مواصلاتها؟
إن حماية خطوط النقل والمواصلات ليست شرطاً ضرورياً لإنتظام التجارة الدولية فحسب بل هي أيضا شرط لازم لأمن الدول المعنية، أمنها الاستراتيجي وأمنها الغذائي.
لنعد إلى التاريخ.
لعل أحد أبرز أسباب قيام دولة الخلافة العربية الإسلامية واستمرارها على مدى قرون هو حماية خطوط التجارة الدولية -طريق الحرير- بين شرق آسيا وأوروبا عبر أقاليم دولة الخلافة الممتدة من تخوم شبه القارة الهندية في الشرق إلى بلدان أوروبا في الغرب مروراً ببلاد فارس وبلاد العرب وبلاد الترك. ذلك ان حماية خطوط التجارة استلزمت أمرين : بناء جيش كبير للنهوض بمهمة الحماية، وقيام دولة إقليمية مركزية لتنظيمه وتوجيهه والإنفاق عليه.
ومن مفارقات التاريخ ان نجاح فاسكو دي غاما في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا لربط تجارة أوروبا بحرياً بالهند والصين قلّل بمرور الزمن فوائد التجارة البرية عبر بلاد العرب لكون هذه الأخيرة أكثر تكلفةً وأقل آماناً بالمقارنة مع التجارة البحرية بطريق رأس الرجاء الصالح. ذلك أدى إلى خفض الحاجة الأمنية إلى جيوش الخلافة وبالتالي إلى خفض الإنفاق عليها والى تفككها. وبتفكك جيش الخلافة ذي الإمرة المركزية تفككت دولة الخلافة نفسها باستيلاء الولاة على السلطة في ولايات الخلافة الممتدة على طول بلاد العرب وبلاد الفرس.
ماذا تعتزم دول العرب، ولاسيما النفطية منها، عمله من أجل حماية سفنها وناقلات نفطها وتجارتها الدولية من القراصنة، وهي التي لا تملك جيشاً مركزياً أو قوة بحرية موحدة؟
الجواب عند الأنظمة جاهز: الاستعانة بالأمن المستعار، أي بالحماية التي يمكن ان توفرها أساطيل الدول التي لها مصلحة أيضا في حماية تجارتها الدولية.
لكن الدول التي توّفر الأمن إما غير قادرة، كما تزعم، أو غير راغبة في توفيره، فماذا تفعل الدول التي تستعير أمنها؟
ان الإدعاء بعدم قدرة الأسطول الأمريكي الخامس على رصد القراصنة وصدّهم غير مقبول. ومع ذلك لنفترض انه سبب واقعي، فإن سؤالاً آخر ينهض للتو: هل تنتظر دول العرب، ولاسيما النفطية منها، إلى ان تقرر دول العالم -أمريكا وأوروبا والصين وسواها- زيادة عدد سفنها الحربية وتجهيزها بما يؤمّن رصد زوارق القراصنة وصدّهم؟ وماذا لو تأخرت هذه الدول في اتخاذ هذا القرار، أو طالبت الدول النفطية بأن تتحمل تكلفة الزيادة المطلوبة في عدد السفن الحربية وتجهيزاتها أو القسم الأكبر منها؟
الحقيقة انه آن الأوان لتعي دول العرب حقائق التاريخ والاقتصاد ومقتضيات الأمن وعلاقات القوى في عالمنا المعاصر، فتكفّ عن تلزيم أمنها إلى الولايات المتحدة أو غيرها وتقوم في إطار جامعة الدول العربية، بشكل جماعي، او بالاشتراك مع دولة عربية أخرى مشاطئة للبحر الأحمر وبحر العرب، بشكل ثنائي أو ثلاثي او رباعي، ببناء قوة بحرية موحدة ومتكاملة لحماية أقاليمها البحرية وأمن سفنها التجارية.
إن الاستعاضة عن الأمن المستعار بالأمن الذاتي الوطني حاجة استراتيجية لا تتطلبها مقتضيات حماية التجارة العربية والتجارة الدولية فحسب بل هي أيضا ضرورة يتطلبها احترام سيادة الدول العربية وتعزيز استقلالها الوطني وحماية أمنها القومي.
هذا مع العلم ان تكلفة الأمن المستعار بجميع وجوهه ومتطلباته أعلى واكبر من تكلفة الامن الذاتي الوطني. الى ذلك، قد يكون ادعاء أمريكا عجز أسطولها عن رصد زوارق القراصنة وصدهم ذريعة لمطالبة الدول العربية وغيرها بتمديد “إقامة” قواعدها البحرية فيها، وبإقامة نظام لحماية التجارة البحرية تقوده واشنطن وتتحمل نفقاته الباهظة الدول المنتفعة من خدماته.
يجب ألا يغيب عن ذهن الحكام في دنيا العرب والعجم ان مكانة الولايات المتحدة وفعاليتها في المنطقة إلى انحدار، وانها مضطرة عاجلاً أو آجلاً الى تقليص إلتزاماتها الخارجية، السياسية والأمنية، بسبب مفاعيل الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تعصف بها. فهل يجوز ان يبقى العرب مقيدين، اقتصادياً وأمنياً، بأوضاع ومتطلبات وقيادة دولة برهنت سياستها وأداؤها مذّ زرعت “إسرائيل” في قلب شرقنا العربي ان أذاها وضررها وسوء تدبيرها يفوق بأشواط معسول كلامها ومنافعها ومردود تدابيرها؟
ليست مشاهد الدمار الكارثية في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال أدلة وشواهد كافية للاقتناع والاستيقاظ من غيبوبتنا التاريخية؟
هل هو إعلان عجز؟ أم بيان تبرير لإخفاق أكبر أسطول بحري في تاريخ البشرية في كسر شوكة قراصنة التاريخ المعاصر؟ أم ان ثمة دافعاً مستتراً وراء الإخفاق المتعمد سيظهر في قابل الأيام؟
قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي الإشارة إلى ان عدد السفن التي خُطفت هذه السنة على أيدي القراصنة في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية بلغ 95 سفينة، بينها 11 هجوماً في الفترة من 10 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 16 منه فقط، أي ضعفي عدد السفن التي خطفت في سنة ،2007 وقد سيطر القراصنة على 36 من السفن التي هاجموها، وهم يحتجزون منها في الوقت الحاضر 14 سفينة وأفراد طواقمها وعددهم 268 بحاراً.
أعظم هذه السفن وأثمنها ناقلة النفط السعودية “سيريوس ستار” البالغ طولها 330 متراً والبالغة حمولتها نحو مليوني برميل من النفط الخام، أي أكثر من ربع الصادرات اليومية للسعودية.
يستخدم القراصنة الصوماليون زوارق سريعة “مجّهزة ومنظّمة بصورة جيدة”، حسب قول بيلي محمود قابوساد مستشار رئيس منطقة بونتلاند التي أعلنت استقلالها من جانب واحد!
هل يعقل ان تكون أساطيل دول أمريكا وأوروبا وآسيا عاجزة عن حماية السفن التي تملكها أو تلك المستأجرة لنقل سلع ومواد ضرورية لمعيشة شعوبها ونفطاً لمصانعها ومرافق مواصلاتها؟
إن حماية خطوط النقل والمواصلات ليست شرطاً ضرورياً لإنتظام التجارة الدولية فحسب بل هي أيضا شرط لازم لأمن الدول المعنية، أمنها الاستراتيجي وأمنها الغذائي.
لنعد إلى التاريخ.
لعل أحد أبرز أسباب قيام دولة الخلافة العربية الإسلامية واستمرارها على مدى قرون هو حماية خطوط التجارة الدولية -طريق الحرير- بين شرق آسيا وأوروبا عبر أقاليم دولة الخلافة الممتدة من تخوم شبه القارة الهندية في الشرق إلى بلدان أوروبا في الغرب مروراً ببلاد فارس وبلاد العرب وبلاد الترك. ذلك ان حماية خطوط التجارة استلزمت أمرين : بناء جيش كبير للنهوض بمهمة الحماية، وقيام دولة إقليمية مركزية لتنظيمه وتوجيهه والإنفاق عليه.
ومن مفارقات التاريخ ان نجاح فاسكو دي غاما في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا لربط تجارة أوروبا بحرياً بالهند والصين قلّل بمرور الزمن فوائد التجارة البرية عبر بلاد العرب لكون هذه الأخيرة أكثر تكلفةً وأقل آماناً بالمقارنة مع التجارة البحرية بطريق رأس الرجاء الصالح. ذلك أدى إلى خفض الحاجة الأمنية إلى جيوش الخلافة وبالتالي إلى خفض الإنفاق عليها والى تفككها. وبتفكك جيش الخلافة ذي الإمرة المركزية تفككت دولة الخلافة نفسها باستيلاء الولاة على السلطة في ولايات الخلافة الممتدة على طول بلاد العرب وبلاد الفرس.
ماذا تعتزم دول العرب، ولاسيما النفطية منها، عمله من أجل حماية سفنها وناقلات نفطها وتجارتها الدولية من القراصنة، وهي التي لا تملك جيشاً مركزياً أو قوة بحرية موحدة؟
الجواب عند الأنظمة جاهز: الاستعانة بالأمن المستعار، أي بالحماية التي يمكن ان توفرها أساطيل الدول التي لها مصلحة أيضا في حماية تجارتها الدولية.
لكن الدول التي توّفر الأمن إما غير قادرة، كما تزعم، أو غير راغبة في توفيره، فماذا تفعل الدول التي تستعير أمنها؟
ان الإدعاء بعدم قدرة الأسطول الأمريكي الخامس على رصد القراصنة وصدّهم غير مقبول. ومع ذلك لنفترض انه سبب واقعي، فإن سؤالاً آخر ينهض للتو: هل تنتظر دول العرب، ولاسيما النفطية منها، إلى ان تقرر دول العالم -أمريكا وأوروبا والصين وسواها- زيادة عدد سفنها الحربية وتجهيزها بما يؤمّن رصد زوارق القراصنة وصدّهم؟ وماذا لو تأخرت هذه الدول في اتخاذ هذا القرار، أو طالبت الدول النفطية بأن تتحمل تكلفة الزيادة المطلوبة في عدد السفن الحربية وتجهيزاتها أو القسم الأكبر منها؟
الحقيقة انه آن الأوان لتعي دول العرب حقائق التاريخ والاقتصاد ومقتضيات الأمن وعلاقات القوى في عالمنا المعاصر، فتكفّ عن تلزيم أمنها إلى الولايات المتحدة أو غيرها وتقوم في إطار جامعة الدول العربية، بشكل جماعي، او بالاشتراك مع دولة عربية أخرى مشاطئة للبحر الأحمر وبحر العرب، بشكل ثنائي أو ثلاثي او رباعي، ببناء قوة بحرية موحدة ومتكاملة لحماية أقاليمها البحرية وأمن سفنها التجارية.
إن الاستعاضة عن الأمن المستعار بالأمن الذاتي الوطني حاجة استراتيجية لا تتطلبها مقتضيات حماية التجارة العربية والتجارة الدولية فحسب بل هي أيضا ضرورة يتطلبها احترام سيادة الدول العربية وتعزيز استقلالها الوطني وحماية أمنها القومي.
هذا مع العلم ان تكلفة الأمن المستعار بجميع وجوهه ومتطلباته أعلى واكبر من تكلفة الامن الذاتي الوطني. الى ذلك، قد يكون ادعاء أمريكا عجز أسطولها عن رصد زوارق القراصنة وصدهم ذريعة لمطالبة الدول العربية وغيرها بتمديد “إقامة” قواعدها البحرية فيها، وبإقامة نظام لحماية التجارة البحرية تقوده واشنطن وتتحمل نفقاته الباهظة الدول المنتفعة من خدماته.
يجب ألا يغيب عن ذهن الحكام في دنيا العرب والعجم ان مكانة الولايات المتحدة وفعاليتها في المنطقة إلى انحدار، وانها مضطرة عاجلاً أو آجلاً الى تقليص إلتزاماتها الخارجية، السياسية والأمنية، بسبب مفاعيل الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تعصف بها. فهل يجوز ان يبقى العرب مقيدين، اقتصادياً وأمنياً، بأوضاع ومتطلبات وقيادة دولة برهنت سياستها وأداؤها مذّ زرعت “إسرائيل” في قلب شرقنا العربي ان أذاها وضررها وسوء تدبيرها يفوق بأشواط معسول كلامها ومنافعها ومردود تدابيرها؟
ليست مشاهد الدمار الكارثية في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال أدلة وشواهد كافية للاقتناع والاستيقاظ من غيبوبتنا التاريخية؟