المنطقة الوسطى ..ماض حاضر .. وحاضر غائب ..!!
كانت المنطقة الوسطى ساحة للصراع السياسي والاقتتال المسلح بين فصائل اليسار -الجبهة الوطنية - المدعومة من نظام عدن وقوات الجيش ، وبغض النظر عن طبيعة الصراع والجهة المستحكمة فيه تبقى تلك الحقبة الزمنية من الأهمية بمكان باعتبارها مثلت مرحلة هامة من تاريخ اليمن المعاصر
تلك الحقبة التي باتت الكثير من أحداثها اليوم مهددة بالاندثار والنسيان بحاجة ماسة إلى جهد علمي يحفظ لها مكانتها بالتوثيق وتدوين مختلف أحداثها بحيادية وإنصاف بعيدا عن التحيز وإطلاق التهم المسبقة أو تغليب وجهات نظر المنتصر ونسيان أو تجاهل أدوار قدمها وصنعها المهزوم
ففي الوقت الذي يرى البعض أن حقبة السبعينات والثمانيات من القرن الماضي قد مثلت قمة مراحل النضال الثوري التحرري لأبناء الشعب اليمني من قوى التخلف والرجعية والحد من هيمنتها وشكلت نواة لانطلاق مشاريع التنوير والتحديث في اليمن الواحد ؛ فإن مفردة "التخريب" هي الأكثر شيوعا في توصيف تلك المرحلة بالنسبة لوجهة نظر السلطة لدرجة باتت تلعكها على لسانها كل ما لاح ذكر المنطقة الوسطى على الأفق بمناسبة أو بلا مناسبة ناهيك عن أن تداعياتها السلبية لا تزال تطارد إنسان الوسطى أين ما حل أو رحل .
والمقصود بالمنطقة الوسطى هنا هي تلك المناطق التي شهدت مرحلة الصراع المسلح فترة السبعينات والثمانيات من القرن الماضي وهي جزء من محافظات إب وتعز والبيضاء وعرفت بمناطق التماس لوقوعها على الشريط الحدودي السابق للشطرين وقد كان لمنطقتي دمت وقعطبة وجبن والنادرة والسبرة والحشاء النصيب الأوفر من ويلات ذلكم الصراع
والمؤسف أن يجد أبناء المنطقة الوسطى بعد مضي ما يقارب الخمسة عقود منذ قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي كان من أهم أهدافها تحقيق العدل و المساواة والقضاء على النزعات القبيلة والمناطقية أنفسهم خارج اللعبة السياسية التي تلعبها مختلف القوى الوطنية البوم وفي ظل التفاعلات السياسية الإقليمية والدولية مسميات مختلفة باتت تشكل نفسها من حين لآخر فيما تبقى هذه البقعة الجغرافية على هامش التفاعلات كنتيجة حتمية لتغييبها فترة من الزمن تم خلالها تقزيم دورها وإخراجها بالكلية من ساحة الفعل والتأثير السياسي عبر توجيه كثير من الضربات التي تلقتها ولا تزال تتلقاها وفق ما يقوله أبنائها وهم يشيرون إلى جملة من الممارسات الإقصائية تمت بحقهم لعل آخرها حسب تعبيرهم تصفية معظم رموزها البارزة الذي كان آخرهم الشهيد جار الله عمر
وبالعودة إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة ونشأتها فإن الجبهة الوطنية لم تكن لتقوم لولا أن أبناء تلك المناطق شعروا بالظلم والضيم والقهر من نظام صنعاء آنذاك وبعد أن تم إقصائهم من السلطة بعد أحداث أغسطس وتسريح عدد كبير من الضباط المنتمين للمنطقة من قيادة الجيش والزج بعدد آخر في السجون ، إضافة إلى توالي الحملات العسكرية على قرى وعزل المنطقة بصورة همجية وبالذات دمت التي مثلت بؤرة الصراع منذ نشأته حتى الانتهاء بتوقيع الاتفاقيات بين الشطرين وعودة الاستقرار لمنطقة
ولعل من الأسباب التي دعت إلى التفاف الناس حول الجبهة وعناصرها يقول تعود أغلبها إلى تفشي حالة الظلم وحرمان المنطقة من خيرات الثورة إضافة إلى امتلاك الجبهة لمشروع وطني تحديثي وقدرة عناصرها في إشباع رغبات الناس في التطلع لتحقيق الوحدة اليمنية ونشر قيم العدل والمساواة والحرص على التراب الوطني ورفع المعنويات عبر تعظيم تاريخ اليمن وحضارته
وما اتخذته الجبهة من أساليب والعمل بصدق وشفافية والصبر على تحمل المشقات والمتاعب والحرص الشديد على تحمل المسؤولية تجاه الوطن والإنسان والتزامهم بالمعايير الحضارية لكل حياتهم خاصة وأنهم كانوا يحملون مشروع حضاري كان حلمه الأول توحيد الوطن وردم الهوة بين التخلف والمدنية
وإن كان ما يعيب على عناصر الجبهة هو قيامها بالعديد من الممارسات الإرهابية وأعمال القهر والتنكيل بحق أبناء المنطقة ، بل وتحولت كثير من عناصرها إلى مثيري رعب في أوساط المجتمع
محاولا ت الجنوبيين بالتنصل عما جرى للمنطقة الوسطى
وإذا كانت حسابات الماضي تقوم على الأيدلوجيا وصراع الأفكار التي كانت تستحكم على مختلف الأصعدة سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وعلى ضوئها كان ينظر إلى أبناء المنطقة الوسطى باعتبارهم رمز للتخريب والشر كونهم يقفون في طرف المد اليساري وإن كان هناك نوع من المناطقية في تلك الحسابات إلا أنها كانت خفية بشكل طغت عليه الايدولجيا ؛ فإن ثمة حسابات أخرى وبأجندة مختلفة تواجهها المنطقة ستكون أشد إيلاما من سابقتها خاصة إذا ما علمنا أن الأولى كان مبعثها طرف واحد والمتمثل في مراكز القوى التقليدية التي سيطرت على السلطة بعد قيام الثورة وجندت كامل الإمكانات لاقتلاع أبناء المنطقة من ضباط وقادة الجيش وفق حسابات مناطقية بحتة بغلاف أيدلوجي حتى لا ينفضح أمرهم هذا من جهة ومن جهة أخرى باعتبار المنطقة حينها كانت تمثل تهديدا كبيرا للنظام وزعزة استقراره ؛ حيث ظهرت جهات كانت مأمونة الجانب من هذا الاتجاه ، وبأشكال عنصرية تجاوزت حدة القوى المتخلفة في الشمال لدرجة أن صارت توزع التهم الجاهزة يمينا وشمال في وقت لا تزال فيه بحاجة لجهد المقل خاصة وعودها لا يزال طريا
لا أدري ما الاستفادة التي ستجنيها تلك الأصوات التي خرج البعض في الحراك الجنوبي والداعية إلى تخوين المنطقة الوسطى والتنكر لتلك الأدوار التي لعبتها في السابق لخدمة الجنوب والجنوبيين والمقرف أن باتت المناطقية هي المستحكمة في وعي وتفكير البعض لدرجة غدت - الجبهة الوطنية - تعبير مجازي يطلق على كل مواطن ذات جذور شمالية بما في ذلك القاطنين منذ سنوات في مدن الجنوب أو تخلقوا على ترابها ، إذ لم يعد هناك فرق بين هؤلاء ومخبري السلطة في نظر البعض من عناصر الحراك ؛ لأن الجميع وبلا استثناء طابور خامس جندته السلطة لنخر الجنوب وتدميره والسيطرة على ثرواته لصالح الشمال لدرجة محاولة شق صف الاشتراكي إلى جنوبي وشمالي وهي محاولات باعتقادي تصب في أحد أمرين إما بائسة كمن فقد السيطرة ، أو محاولات للتنصل عما جرى للمنطقة الوسطى ونسيان أدوارها المختلفة في فترة الصراع والمد اليساري بصورة بلغت إلى حد التنكر لأدوار زعامات تاريخية كبيرة قدمت أغلى ما تملك ليس للجنوب فحسب بل لليمن بأكمله بحجم المناضل "عبد الفتاح إسماعيل" الذي أطيح بصورته من بين صور شهداء يناير في إحدى مهرجانات الحراك بردفان من منطلقات جغرافي ب
حت لتظلمه الجغرافيا مرتين من الشمال والجنوب.
والغريب أن تأتي تلك الأصوات في وقت لا تزال تداعيات أحداث المناطق الوسطى مستمرة وأهمها تهم "التخريب" التي ما انفك النظام يستجرها من حين لآخر ، وما يزال هناك الكثير ممن فقدوا أشخاص من أسرهم في المنطقة وآخرين يجهلون مصير حبيب لهم أو قريب ويتذكرون مرارة الفترة وهناك من بترت أجزاء من أجسادهم بسبب الألغام
بل أن هناك الكثير من المشردين عن قراهم في دول الاغتراب وحرموا من العودة بفعل الاقتتال خاصة وقد كانت بعض الأسر تنقسم على نفسها بين موالية للجبهة وأخرى للدولة .
ولعل ما ذكر هي أهم الأسباب التي أدت باعتقادي إلى هدوء المنطقة الوسطى وخفوت صوت أبناءها في الوقت الراهن تجاه المطالب الحقوقية المنتهكة والمظالم ؛ خاصة وأنهم كانوا أكثر الناس تضررا بتداعيات صراع الماضي البغيض الذي لا تزال صوره عالقة في أذهانهم هذا أولا ، وثانيا : أنهم ما فتأو أن وجدوا أنفسهم في العيش في أمان واستقرار بعد كل تلك
وعموما فأن أبناء الوسطى هم أكثر الناس تضحية وقدموا الكثير في سبيل الوحدة اليمنية في الوقت الذي لم يجدوا شيئا في المقابل ، حتى يأتي اليوم من يزايد عليهم من هنا أو هناك .
وبنظرة منصفة نذكر هنا أن المنطقة لم تكن ضحية طرف دون آخر ، فالجميع اشتركوا في التنكيل بالمنطقة وأبنائها اكتووا بنار التجزئة والتشطير وذاقوا الويلات من أجهزة النظامين المتصارعين آنذاك
خاصة وأن نظام الجنوب قد استخدم الجبهة لحمايته إذا ما استدعي الأمر بحيث شكلت المناطق الوسطى بمثابة درع واقي من أي ضربة متحملة من الشمال فمثلت محور المواجهة فيما القوى الأخرى تحتمي ورائها وأن الأخيرة كانت تتحرج بأجندة جنوبية خالصة فهي تتلقى تعليماتها مباشرة من عدن وكان يشرف على "صالح مصلح" على كل حركة تقوم بها ناهيك عن أن الأخير هو من كان يدير معظم المعارك التي خاضتها الجبهة بشكل مباشر وغير مباشر وخاصة حرب العام 79 م النظامية التي كان لحظتها متواجدا في قلب المعركة في دمت ، كما أن نظام عدن هو المسئول عن دخول كمية الألغام الليبية إلى جبال ووديان المنطقة بغض النظر عمن هو الذي قام بزرعها
وبالنظر إلى ما يمثله أبناء المنطقة الوسطى من ثقل بين طرفي اليمن شمال وجنوب وإذا ما سلمنا – فرضا- برأي البعض أن حرصهم على الوحدة يأتي من منطلق أن بقاء الوحدة يجعلهم همزة الوصل بين الطرفين ويحميهم من الصراعات وما تمثله لهم الوحدة من منجز عظيم يقيمهم ويلات التمزق والشتات وما قد ينتج عنها من صراعات وحروب ، دون الأخذ بالعامل الوطني ، فإن سكوت أبناء المنطقة الوسطى وعدم تحركهم بأي عمل يصب في خانة نصرة إخوانهم في الجنوب هو ما لم يستطع المرء تفسيره وفهم سره خاصة وأنهم لم يجدوا أي شيء يذكر من هذا القبيل قام به إخوانهم في الشمال تجاه قضيتهم وخاصة المناطق الوسطى التي ظلت ساكنة ولم تحرك قيد أنمله باستثناء النزر القبيل في مدينة إب تعز وهي غير كافية وبحاجة إلى تفعيل لكي تعاد الثقة بين أبناء الجنوب والوسط حتى تتوازن القوى ونضمن عدم طغيان أي طرف من أطراف المعادلة .
وأخير ترى هل سيقف أبناء تلك المناطق موقفا وسط كما هي منطقتهم ويكون لهم دور بارز في مجمل التفاعلات السياسية المعتملة اليوم كما كان لهم في السابق ، بحيث يشكلوا بذلك عامل توازن طرفي المعادلة بعيدا عن نزعات التطرف التي يقف منها كل جانب ؛ أم أنهم قد أكلوا يوم أكل الثور الأسود ولم تعد لهم قائمة على المدى المنظور بخاصة بعد غياب أو تغييب دام لسنوات استهدف رجال المنطقة وزعاماتها ، ذلك ما سيفصح عنه المستقبل ..
كانت المنطقة الوسطى ساحة للصراع السياسي والاقتتال المسلح بين فصائل اليسار -الجبهة الوطنية - المدعومة من نظام عدن وقوات الجيش ، وبغض النظر عن طبيعة الصراع والجهة المستحكمة فيه تبقى تلك الحقبة الزمنية من الأهمية بمكان باعتبارها مثلت مرحلة هامة من تاريخ اليمن المعاصر
تلك الحقبة التي باتت الكثير من أحداثها اليوم مهددة بالاندثار والنسيان بحاجة ماسة إلى جهد علمي يحفظ لها مكانتها بالتوثيق وتدوين مختلف أحداثها بحيادية وإنصاف بعيدا عن التحيز وإطلاق التهم المسبقة أو تغليب وجهات نظر المنتصر ونسيان أو تجاهل أدوار قدمها وصنعها المهزوم
ففي الوقت الذي يرى البعض أن حقبة السبعينات والثمانيات من القرن الماضي قد مثلت قمة مراحل النضال الثوري التحرري لأبناء الشعب اليمني من قوى التخلف والرجعية والحد من هيمنتها وشكلت نواة لانطلاق مشاريع التنوير والتحديث في اليمن الواحد ؛ فإن مفردة "التخريب" هي الأكثر شيوعا في توصيف تلك المرحلة بالنسبة لوجهة نظر السلطة لدرجة باتت تلعكها على لسانها كل ما لاح ذكر المنطقة الوسطى على الأفق بمناسبة أو بلا مناسبة ناهيك عن أن تداعياتها السلبية لا تزال تطارد إنسان الوسطى أين ما حل أو رحل .
والمقصود بالمنطقة الوسطى هنا هي تلك المناطق التي شهدت مرحلة الصراع المسلح فترة السبعينات والثمانيات من القرن الماضي وهي جزء من محافظات إب وتعز والبيضاء وعرفت بمناطق التماس لوقوعها على الشريط الحدودي السابق للشطرين وقد كان لمنطقتي دمت وقعطبة وجبن والنادرة والسبرة والحشاء النصيب الأوفر من ويلات ذلكم الصراع
والمؤسف أن يجد أبناء المنطقة الوسطى بعد مضي ما يقارب الخمسة عقود منذ قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي كان من أهم أهدافها تحقيق العدل و المساواة والقضاء على النزعات القبيلة والمناطقية أنفسهم خارج اللعبة السياسية التي تلعبها مختلف القوى الوطنية البوم وفي ظل التفاعلات السياسية الإقليمية والدولية مسميات مختلفة باتت تشكل نفسها من حين لآخر فيما تبقى هذه البقعة الجغرافية على هامش التفاعلات كنتيجة حتمية لتغييبها فترة من الزمن تم خلالها تقزيم دورها وإخراجها بالكلية من ساحة الفعل والتأثير السياسي عبر توجيه كثير من الضربات التي تلقتها ولا تزال تتلقاها وفق ما يقوله أبنائها وهم يشيرون إلى جملة من الممارسات الإقصائية تمت بحقهم لعل آخرها حسب تعبيرهم تصفية معظم رموزها البارزة الذي كان آخرهم الشهيد جار الله عمر
وبالعودة إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة ونشأتها فإن الجبهة الوطنية لم تكن لتقوم لولا أن أبناء تلك المناطق شعروا بالظلم والضيم والقهر من نظام صنعاء آنذاك وبعد أن تم إقصائهم من السلطة بعد أحداث أغسطس وتسريح عدد كبير من الضباط المنتمين للمنطقة من قيادة الجيش والزج بعدد آخر في السجون ، إضافة إلى توالي الحملات العسكرية على قرى وعزل المنطقة بصورة همجية وبالذات دمت التي مثلت بؤرة الصراع منذ نشأته حتى الانتهاء بتوقيع الاتفاقيات بين الشطرين وعودة الاستقرار لمنطقة
ولعل من الأسباب التي دعت إلى التفاف الناس حول الجبهة وعناصرها يقول تعود أغلبها إلى تفشي حالة الظلم وحرمان المنطقة من خيرات الثورة إضافة إلى امتلاك الجبهة لمشروع وطني تحديثي وقدرة عناصرها في إشباع رغبات الناس في التطلع لتحقيق الوحدة اليمنية ونشر قيم العدل والمساواة والحرص على التراب الوطني ورفع المعنويات عبر تعظيم تاريخ اليمن وحضارته
وما اتخذته الجبهة من أساليب والعمل بصدق وشفافية والصبر على تحمل المشقات والمتاعب والحرص الشديد على تحمل المسؤولية تجاه الوطن والإنسان والتزامهم بالمعايير الحضارية لكل حياتهم خاصة وأنهم كانوا يحملون مشروع حضاري كان حلمه الأول توحيد الوطن وردم الهوة بين التخلف والمدنية
وإن كان ما يعيب على عناصر الجبهة هو قيامها بالعديد من الممارسات الإرهابية وأعمال القهر والتنكيل بحق أبناء المنطقة ، بل وتحولت كثير من عناصرها إلى مثيري رعب في أوساط المجتمع
محاولا ت الجنوبيين بالتنصل عما جرى للمنطقة الوسطى
وإذا كانت حسابات الماضي تقوم على الأيدلوجيا وصراع الأفكار التي كانت تستحكم على مختلف الأصعدة سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وعلى ضوئها كان ينظر إلى أبناء المنطقة الوسطى باعتبارهم رمز للتخريب والشر كونهم يقفون في طرف المد اليساري وإن كان هناك نوع من المناطقية في تلك الحسابات إلا أنها كانت خفية بشكل طغت عليه الايدولجيا ؛ فإن ثمة حسابات أخرى وبأجندة مختلفة تواجهها المنطقة ستكون أشد إيلاما من سابقتها خاصة إذا ما علمنا أن الأولى كان مبعثها طرف واحد والمتمثل في مراكز القوى التقليدية التي سيطرت على السلطة بعد قيام الثورة وجندت كامل الإمكانات لاقتلاع أبناء المنطقة من ضباط وقادة الجيش وفق حسابات مناطقية بحتة بغلاف أيدلوجي حتى لا ينفضح أمرهم هذا من جهة ومن جهة أخرى باعتبار المنطقة حينها كانت تمثل تهديدا كبيرا للنظام وزعزة استقراره ؛ حيث ظهرت جهات كانت مأمونة الجانب من هذا الاتجاه ، وبأشكال عنصرية تجاوزت حدة القوى المتخلفة في الشمال لدرجة أن صارت توزع التهم الجاهزة يمينا وشمال في وقت لا تزال فيه بحاجة لجهد المقل خاصة وعودها لا يزال طريا
لا أدري ما الاستفادة التي ستجنيها تلك الأصوات التي خرج البعض في الحراك الجنوبي والداعية إلى تخوين المنطقة الوسطى والتنكر لتلك الأدوار التي لعبتها في السابق لخدمة الجنوب والجنوبيين والمقرف أن باتت المناطقية هي المستحكمة في وعي وتفكير البعض لدرجة غدت - الجبهة الوطنية - تعبير مجازي يطلق على كل مواطن ذات جذور شمالية بما في ذلك القاطنين منذ سنوات في مدن الجنوب أو تخلقوا على ترابها ، إذ لم يعد هناك فرق بين هؤلاء ومخبري السلطة في نظر البعض من عناصر الحراك ؛ لأن الجميع وبلا استثناء طابور خامس جندته السلطة لنخر الجنوب وتدميره والسيطرة على ثرواته لصالح الشمال لدرجة محاولة شق صف الاشتراكي إلى جنوبي وشمالي وهي محاولات باعتقادي تصب في أحد أمرين إما بائسة كمن فقد السيطرة ، أو محاولات للتنصل عما جرى للمنطقة الوسطى ونسيان أدوارها المختلفة في فترة الصراع والمد اليساري بصورة بلغت إلى حد التنكر لأدوار زعامات تاريخية كبيرة قدمت أغلى ما تملك ليس للجنوب فحسب بل لليمن بأكمله بحجم المناضل "عبد الفتاح إسماعيل" الذي أطيح بصورته من بين صور شهداء يناير في إحدى مهرجانات الحراك بردفان من منطلقات جغرافي ب
حت لتظلمه الجغرافيا مرتين من الشمال والجنوب.
والغريب أن تأتي تلك الأصوات في وقت لا تزال تداعيات أحداث المناطق الوسطى مستمرة وأهمها تهم "التخريب" التي ما انفك النظام يستجرها من حين لآخر ، وما يزال هناك الكثير ممن فقدوا أشخاص من أسرهم في المنطقة وآخرين يجهلون مصير حبيب لهم أو قريب ويتذكرون مرارة الفترة وهناك من بترت أجزاء من أجسادهم بسبب الألغام
بل أن هناك الكثير من المشردين عن قراهم في دول الاغتراب وحرموا من العودة بفعل الاقتتال خاصة وقد كانت بعض الأسر تنقسم على نفسها بين موالية للجبهة وأخرى للدولة .
ولعل ما ذكر هي أهم الأسباب التي أدت باعتقادي إلى هدوء المنطقة الوسطى وخفوت صوت أبناءها في الوقت الراهن تجاه المطالب الحقوقية المنتهكة والمظالم ؛ خاصة وأنهم كانوا أكثر الناس تضررا بتداعيات صراع الماضي البغيض الذي لا تزال صوره عالقة في أذهانهم هذا أولا ، وثانيا : أنهم ما فتأو أن وجدوا أنفسهم في العيش في أمان واستقرار بعد كل تلك
وعموما فأن أبناء الوسطى هم أكثر الناس تضحية وقدموا الكثير في سبيل الوحدة اليمنية في الوقت الذي لم يجدوا شيئا في المقابل ، حتى يأتي اليوم من يزايد عليهم من هنا أو هناك .
وبنظرة منصفة نذكر هنا أن المنطقة لم تكن ضحية طرف دون آخر ، فالجميع اشتركوا في التنكيل بالمنطقة وأبنائها اكتووا بنار التجزئة والتشطير وذاقوا الويلات من أجهزة النظامين المتصارعين آنذاك
خاصة وأن نظام الجنوب قد استخدم الجبهة لحمايته إذا ما استدعي الأمر بحيث شكلت المناطق الوسطى بمثابة درع واقي من أي ضربة متحملة من الشمال فمثلت محور المواجهة فيما القوى الأخرى تحتمي ورائها وأن الأخيرة كانت تتحرج بأجندة جنوبية خالصة فهي تتلقى تعليماتها مباشرة من عدن وكان يشرف على "صالح مصلح" على كل حركة تقوم بها ناهيك عن أن الأخير هو من كان يدير معظم المعارك التي خاضتها الجبهة بشكل مباشر وغير مباشر وخاصة حرب العام 79 م النظامية التي كان لحظتها متواجدا في قلب المعركة في دمت ، كما أن نظام عدن هو المسئول عن دخول كمية الألغام الليبية إلى جبال ووديان المنطقة بغض النظر عمن هو الذي قام بزرعها
وبالنظر إلى ما يمثله أبناء المنطقة الوسطى من ثقل بين طرفي اليمن شمال وجنوب وإذا ما سلمنا – فرضا- برأي البعض أن حرصهم على الوحدة يأتي من منطلق أن بقاء الوحدة يجعلهم همزة الوصل بين الطرفين ويحميهم من الصراعات وما تمثله لهم الوحدة من منجز عظيم يقيمهم ويلات التمزق والشتات وما قد ينتج عنها من صراعات وحروب ، دون الأخذ بالعامل الوطني ، فإن سكوت أبناء المنطقة الوسطى وعدم تحركهم بأي عمل يصب في خانة نصرة إخوانهم في الجنوب هو ما لم يستطع المرء تفسيره وفهم سره خاصة وأنهم لم يجدوا أي شيء يذكر من هذا القبيل قام به إخوانهم في الشمال تجاه قضيتهم وخاصة المناطق الوسطى التي ظلت ساكنة ولم تحرك قيد أنمله باستثناء النزر القبيل في مدينة إب تعز وهي غير كافية وبحاجة إلى تفعيل لكي تعاد الثقة بين أبناء الجنوب والوسط حتى تتوازن القوى ونضمن عدم طغيان أي طرف من أطراف المعادلة .
وأخير ترى هل سيقف أبناء تلك المناطق موقفا وسط كما هي منطقتهم ويكون لهم دور بارز في مجمل التفاعلات السياسية المعتملة اليوم كما كان لهم في السابق ، بحيث يشكلوا بذلك عامل توازن طرفي المعادلة بعيدا عن نزعات التطرف التي يقف منها كل جانب ؛ أم أنهم قد أكلوا يوم أكل الثور الأسود ولم تعد لهم قائمة على المدى المنظور بخاصة بعد غياب أو تغييب دام لسنوات استهدف رجال المنطقة وزعاماتها ، ذلك ما سيفصح عنه المستقبل ..