إن صح التعبير نحن مجتمع ينتمي إلى مجتمعات الوصاية الفكرية. فالطفل يولد داخل منظومة اجتماعية تحدد له سلفاً ماذا سيأكل؟ وكيف سيلبس؟ وأين سيدرس، وبمن سيتزوج أيضاً! كما تحدد له مسبقاً سقف الطموح الذي لا يمكن أن يتجاوزه، فيكبر هذا الطفل الذي فينا ويجد نفسه قد بلغ سن الرشد القانوني، لكن لم يجرؤ يوماً على كسر الأغلال التي تقيد نبوغه الفكري!
هذه الممارسة شئنا أم أبينا ترسبت في عقلنا الباطن، وشكلت وعينا المستقبلي، فأصبح جزء كبير منّا "اتكالياً" يمارس الاتكالية الفكرية على أساس أن هنالك آخرين، هم أحق منا في أن يقرأوا، ويكتبوا، ويملكوا العلم، ويملكوا التفكير وتخطيط هوية المجتمع والأفراد على حد سواء، فلماذا نمارس "نحن" هذه الوظيفة المضنية إذا كان هنالك من يكفينا شر التفكير والاجتهاد العلمي!
جزء من هذه الاتكالية أننا مجتمع يعيش على استيراد التقنية والعلوم الحديثة من الخارج، لأننا تعودنا على الجمود الفكري، وممارسة الوصاية، هكذا وصاية من الصعب أن ينجح أصحابها في إطلاق العنان لحرية التفكير والابتكار، فالتميز وسط مجتمع وصاية يصبح بدعة! وما نقوم به - على سبيل المثال - من التعبير عن آراء عامة سليمة في نطاق المنظومة الاجتماعية، هو ممارسة بدعية بالنسبة لهم، لأن هنالك مسبقاً من يحق له التعبير عن الرأي والتصريح في وسائل الإعلام عما يجوز وما لا يجوز! ومن السخرية الأزلية، أننا نجد من قرائنا من يمارس الوصاية الفكرية مسبقاً على كتاباتنا من منطلق هذا لا يجوز الخوض فيه ولا يصح الحديث عنه، على الرغم من أنها كلها كتابات لا تخرج عن نطاق "التعبير السلمي للرأي".
هذا ما يحدث عندما يصطدم أفراد هذه المنظومة الاجتماعية بأحد أفرادها يخرج بكيان فكري مستقل، يكتب ويعبر عن رأيه بلغة ذاتية: (أنا أعتقد) وفي (رأيي الشخصي) حتى تقوم قيامة المنظومة الاجتماعية التي وجدت في كتاباته الذاتية ما يهدد بناءها "الاجتماعي المتين". فتجد في بريدك الإلكتروني في اليوم التالي قائمة بالرسائل التي خجل أفرادها حتى من توقيعها بأسمائهم الحقيقية، يدعون لك بالهداية، لأنك تقول أشياء لم تلامس يوماً مدى تفكيرهم.
حينما أكتب فإنني لا أخرج عن نطاق كلمة "رأي" في كل كتاباتي، وأنتظر في المقابل أن الشخص الذي يقرؤني يمثل "رأياً" آخر. لأنني لا أفرض الوصاية الفكرية على من يقرأني، بل أشد على يده كي يتشارك معي في حديث أفكاري! على الرغم من أن هنالك من قرائي من يمارس الوصاية المطلقة علي ويفتح يديه على سعتهما في الحديث عن الثوابت، ولعمري إنه لم يصل في الإدراك لأبعد من مرمى "ثوابته" المحدودة تلك.
فستجد في مقابل كلماتك طبولاً تقرع وأن "رأيك الشخصي" قد أصاب بالريبة الأوصياء على الفكر في مجتمعاتنا واتخذ معاني أخرى مثل "مطالبة" و"تحرير" وتغريب". أحد قرائي الأوصياء الذي أرسل برسالة خجل من توقيع أسمه عليها، لا أعرف لماذا انتظر ثلاثة أشهر منذ كتابتي لمقال عن هيلاري كلينتون، حتى يتأكد من هزيمتها كي يبعث لي برسالة يناصحني بالعودة عن أفكاري وأن أجعل من هزيمة (صديقتي) هيلاري في الانتخابات مناسبة للاعتراف بأن المرأة مكانها الحقيقي (أن تهتم ببيتها ومطبخها ورعاية زوجها وأولادها) ويثني على (أوبرا وينفري التي انحازت إلى عرقها الأسود وأعلنت تأييد أوباما). متناسياً أن هيلاري كلنتون ليست أول امرأة كانت لتترشح لمنصب رئاسي، فقبلها على سبيل المثال لا الحصر بينظير بوتو، ومارجريت تاتشر وغيرهن لم يعن فوزهن أو خسارتهن لمنصب رئاسي نهاية التاريخ! من الخطأ أن نتخذ من لعبة السياسة كمصدر إثبات لقناعاتنا إذ إنها قابلة للتحول حسب المصالح والتحالفات. ثم الأهم من ذلك أن تكون معجباً بشخص لا يعني أنك تعتنق مبادئه أو آراءه، فلو قلت إنني معجبه بإرنستو تشي جيفارا لا يعني أني على دينه! المشكلة هنا كيف نقرأ؟
ويا ليت شعري، إذا كنا نعاني من ارتباك في تقييم الآراء، ونشعر بالريبة إزاء ما يفكر به الآخرون، وننشغل في بحث الضمائر عن مقاصدها، ونقرر مصائر الأفراد إلى سواء السبيل، فلنبشر بكل الأمراض النفسية ولتعمر مدننا بالمصحات العقلية. ورحم الله الحلاج حينما قال عند إعدامه إن خصومه أحب إليه من أصحابه، لأن استعدائهم له جاء من باب الغيرة على دين الله، أما الأصحاب فحبهم جاء من حسن الظن.
إن صح التعبير نحن مجتمع ينتمي إلى مجتمعات الوصاية الفكرية. فالطفل يولد داخل منظومة اجتماعية تحدد له سلفاً ماذا سيأكل؟ وكيف سيلبس؟ وأين سيدرس، وبمن سيتزوج أيضاً! كما تحدد له مسبقاً سقف الطموح الذي لا يمكن أن يتجاوزه، فيكبر هذا الطفل الذي فينا ويجد نفسه قد بلغ سن الرشد القانوني، لكن لم يجرؤ يوماً على كسر الأغلال التي تقيد نبوغه الفكري!
هذه الممارسة شئنا أم أبينا ترسبت في عقلنا الباطن، وشكلت وعينا المستقبلي، فأصبح جزء كبير منّا "اتكالياً" يمارس الاتكالية الفكرية على أساس أن هنالك آخرين، هم أحق منا في أن يقرأوا، ويكتبوا، ويملكوا العلم، ويملكوا التفكير وتخطيط هوية المجتمع والأفراد على حد سواء، فلماذا نمارس "نحن" هذه الوظيفة المضنية إذا كان هنالك من يكفينا شر التفكير والاجتهاد العلمي!
جزء من هذه الاتكالية أننا مجتمع يعيش على استيراد التقنية والعلوم الحديثة من الخارج، لأننا تعودنا على الجمود الفكري، وممارسة الوصاية، هكذا وصاية من الصعب أن ينجح أصحابها في إطلاق العنان لحرية التفكير والابتكار، فالتميز وسط مجتمع وصاية يصبح بدعة! وما نقوم به - على سبيل المثال - من التعبير عن آراء عامة سليمة في نطاق المنظومة الاجتماعية، هو ممارسة بدعية بالنسبة لهم، لأن هنالك مسبقاً من يحق له التعبير عن الرأي والتصريح في وسائل الإعلام عما يجوز وما لا يجوز! ومن السخرية الأزلية، أننا نجد من قرائنا من يمارس الوصاية الفكرية مسبقاً على كتاباتنا من منطلق هذا لا يجوز الخوض فيه ولا يصح الحديث عنه، على الرغم من أنها كلها كتابات لا تخرج عن نطاق "التعبير السلمي للرأي".
هذا ما يحدث عندما يصطدم أفراد هذه المنظومة الاجتماعية بأحد أفرادها يخرج بكيان فكري مستقل، يكتب ويعبر عن رأيه بلغة ذاتية: (أنا أعتقد) وفي (رأيي الشخصي) حتى تقوم قيامة المنظومة الاجتماعية التي وجدت في كتاباته الذاتية ما يهدد بناءها "الاجتماعي المتين". فتجد في بريدك الإلكتروني في اليوم التالي قائمة بالرسائل التي خجل أفرادها حتى من توقيعها بأسمائهم الحقيقية، يدعون لك بالهداية، لأنك تقول أشياء لم تلامس يوماً مدى تفكيرهم.
حينما أكتب فإنني لا أخرج عن نطاق كلمة "رأي" في كل كتاباتي، وأنتظر في المقابل أن الشخص الذي يقرؤني يمثل "رأياً" آخر. لأنني لا أفرض الوصاية الفكرية على من يقرأني، بل أشد على يده كي يتشارك معي في حديث أفكاري! على الرغم من أن هنالك من قرائي من يمارس الوصاية المطلقة علي ويفتح يديه على سعتهما في الحديث عن الثوابت، ولعمري إنه لم يصل في الإدراك لأبعد من مرمى "ثوابته" المحدودة تلك.
فستجد في مقابل كلماتك طبولاً تقرع وأن "رأيك الشخصي" قد أصاب بالريبة الأوصياء على الفكر في مجتمعاتنا واتخذ معاني أخرى مثل "مطالبة" و"تحرير" وتغريب". أحد قرائي الأوصياء الذي أرسل برسالة خجل من توقيع أسمه عليها، لا أعرف لماذا انتظر ثلاثة أشهر منذ كتابتي لمقال عن هيلاري كلينتون، حتى يتأكد من هزيمتها كي يبعث لي برسالة يناصحني بالعودة عن أفكاري وأن أجعل من هزيمة (صديقتي) هيلاري في الانتخابات مناسبة للاعتراف بأن المرأة مكانها الحقيقي (أن تهتم ببيتها ومطبخها ورعاية زوجها وأولادها) ويثني على (أوبرا وينفري التي انحازت إلى عرقها الأسود وأعلنت تأييد أوباما). متناسياً أن هيلاري كلنتون ليست أول امرأة كانت لتترشح لمنصب رئاسي، فقبلها على سبيل المثال لا الحصر بينظير بوتو، ومارجريت تاتشر وغيرهن لم يعن فوزهن أو خسارتهن لمنصب رئاسي نهاية التاريخ! من الخطأ أن نتخذ من لعبة السياسة كمصدر إثبات لقناعاتنا إذ إنها قابلة للتحول حسب المصالح والتحالفات. ثم الأهم من ذلك أن تكون معجباً بشخص لا يعني أنك تعتنق مبادئه أو آراءه، فلو قلت إنني معجبه بإرنستو تشي جيفارا لا يعني أني على دينه! المشكلة هنا كيف نقرأ؟
ويا ليت شعري، إذا كنا نعاني من ارتباك في تقييم الآراء، ونشعر بالريبة إزاء ما يفكر به الآخرون، وننشغل في بحث الضمائر عن مقاصدها، ونقرر مصائر الأفراد إلى سواء السبيل، فلنبشر بكل الأمراض النفسية ولتعمر مدننا بالمصحات العقلية. ورحم الله الحلاج حينما قال عند إعدامه إن خصومه أحب إليه من أصحابه، لأن استعدائهم له جاء من باب الغيرة على دين الله، أما الأصحاب فحبهم جاء من حسن الظن.
هذه الممارسة شئنا أم أبينا ترسبت في عقلنا الباطن، وشكلت وعينا المستقبلي، فأصبح جزء كبير منّا "اتكالياً" يمارس الاتكالية الفكرية على أساس أن هنالك آخرين، هم أحق منا في أن يقرأوا، ويكتبوا، ويملكوا العلم، ويملكوا التفكير وتخطيط هوية المجتمع والأفراد على حد سواء، فلماذا نمارس "نحن" هذه الوظيفة المضنية إذا كان هنالك من يكفينا شر التفكير والاجتهاد العلمي!
جزء من هذه الاتكالية أننا مجتمع يعيش على استيراد التقنية والعلوم الحديثة من الخارج، لأننا تعودنا على الجمود الفكري، وممارسة الوصاية، هكذا وصاية من الصعب أن ينجح أصحابها في إطلاق العنان لحرية التفكير والابتكار، فالتميز وسط مجتمع وصاية يصبح بدعة! وما نقوم به - على سبيل المثال - من التعبير عن آراء عامة سليمة في نطاق المنظومة الاجتماعية، هو ممارسة بدعية بالنسبة لهم، لأن هنالك مسبقاً من يحق له التعبير عن الرأي والتصريح في وسائل الإعلام عما يجوز وما لا يجوز! ومن السخرية الأزلية، أننا نجد من قرائنا من يمارس الوصاية الفكرية مسبقاً على كتاباتنا من منطلق هذا لا يجوز الخوض فيه ولا يصح الحديث عنه، على الرغم من أنها كلها كتابات لا تخرج عن نطاق "التعبير السلمي للرأي".
هذا ما يحدث عندما يصطدم أفراد هذه المنظومة الاجتماعية بأحد أفرادها يخرج بكيان فكري مستقل، يكتب ويعبر عن رأيه بلغة ذاتية: (أنا أعتقد) وفي (رأيي الشخصي) حتى تقوم قيامة المنظومة الاجتماعية التي وجدت في كتاباته الذاتية ما يهدد بناءها "الاجتماعي المتين". فتجد في بريدك الإلكتروني في اليوم التالي قائمة بالرسائل التي خجل أفرادها حتى من توقيعها بأسمائهم الحقيقية، يدعون لك بالهداية، لأنك تقول أشياء لم تلامس يوماً مدى تفكيرهم.
حينما أكتب فإنني لا أخرج عن نطاق كلمة "رأي" في كل كتاباتي، وأنتظر في المقابل أن الشخص الذي يقرؤني يمثل "رأياً" آخر. لأنني لا أفرض الوصاية الفكرية على من يقرأني، بل أشد على يده كي يتشارك معي في حديث أفكاري! على الرغم من أن هنالك من قرائي من يمارس الوصاية المطلقة علي ويفتح يديه على سعتهما في الحديث عن الثوابت، ولعمري إنه لم يصل في الإدراك لأبعد من مرمى "ثوابته" المحدودة تلك.
فستجد في مقابل كلماتك طبولاً تقرع وأن "رأيك الشخصي" قد أصاب بالريبة الأوصياء على الفكر في مجتمعاتنا واتخذ معاني أخرى مثل "مطالبة" و"تحرير" وتغريب". أحد قرائي الأوصياء الذي أرسل برسالة خجل من توقيع أسمه عليها، لا أعرف لماذا انتظر ثلاثة أشهر منذ كتابتي لمقال عن هيلاري كلينتون، حتى يتأكد من هزيمتها كي يبعث لي برسالة يناصحني بالعودة عن أفكاري وأن أجعل من هزيمة (صديقتي) هيلاري في الانتخابات مناسبة للاعتراف بأن المرأة مكانها الحقيقي (أن تهتم ببيتها ومطبخها ورعاية زوجها وأولادها) ويثني على (أوبرا وينفري التي انحازت إلى عرقها الأسود وأعلنت تأييد أوباما). متناسياً أن هيلاري كلنتون ليست أول امرأة كانت لتترشح لمنصب رئاسي، فقبلها على سبيل المثال لا الحصر بينظير بوتو، ومارجريت تاتشر وغيرهن لم يعن فوزهن أو خسارتهن لمنصب رئاسي نهاية التاريخ! من الخطأ أن نتخذ من لعبة السياسة كمصدر إثبات لقناعاتنا إذ إنها قابلة للتحول حسب المصالح والتحالفات. ثم الأهم من ذلك أن تكون معجباً بشخص لا يعني أنك تعتنق مبادئه أو آراءه، فلو قلت إنني معجبه بإرنستو تشي جيفارا لا يعني أني على دينه! المشكلة هنا كيف نقرأ؟
ويا ليت شعري، إذا كنا نعاني من ارتباك في تقييم الآراء، ونشعر بالريبة إزاء ما يفكر به الآخرون، وننشغل في بحث الضمائر عن مقاصدها، ونقرر مصائر الأفراد إلى سواء السبيل، فلنبشر بكل الأمراض النفسية ولتعمر مدننا بالمصحات العقلية. ورحم الله الحلاج حينما قال عند إعدامه إن خصومه أحب إليه من أصحابه، لأن استعدائهم له جاء من باب الغيرة على دين الله، أما الأصحاب فحبهم جاء من حسن الظن.
إن صح التعبير نحن مجتمع ينتمي إلى مجتمعات الوصاية الفكرية. فالطفل يولد داخل منظومة اجتماعية تحدد له سلفاً ماذا سيأكل؟ وكيف سيلبس؟ وأين سيدرس، وبمن سيتزوج أيضاً! كما تحدد له مسبقاً سقف الطموح الذي لا يمكن أن يتجاوزه، فيكبر هذا الطفل الذي فينا ويجد نفسه قد بلغ سن الرشد القانوني، لكن لم يجرؤ يوماً على كسر الأغلال التي تقيد نبوغه الفكري!
هذه الممارسة شئنا أم أبينا ترسبت في عقلنا الباطن، وشكلت وعينا المستقبلي، فأصبح جزء كبير منّا "اتكالياً" يمارس الاتكالية الفكرية على أساس أن هنالك آخرين، هم أحق منا في أن يقرأوا، ويكتبوا، ويملكوا العلم، ويملكوا التفكير وتخطيط هوية المجتمع والأفراد على حد سواء، فلماذا نمارس "نحن" هذه الوظيفة المضنية إذا كان هنالك من يكفينا شر التفكير والاجتهاد العلمي!
جزء من هذه الاتكالية أننا مجتمع يعيش على استيراد التقنية والعلوم الحديثة من الخارج، لأننا تعودنا على الجمود الفكري، وممارسة الوصاية، هكذا وصاية من الصعب أن ينجح أصحابها في إطلاق العنان لحرية التفكير والابتكار، فالتميز وسط مجتمع وصاية يصبح بدعة! وما نقوم به - على سبيل المثال - من التعبير عن آراء عامة سليمة في نطاق المنظومة الاجتماعية، هو ممارسة بدعية بالنسبة لهم، لأن هنالك مسبقاً من يحق له التعبير عن الرأي والتصريح في وسائل الإعلام عما يجوز وما لا يجوز! ومن السخرية الأزلية، أننا نجد من قرائنا من يمارس الوصاية الفكرية مسبقاً على كتاباتنا من منطلق هذا لا يجوز الخوض فيه ولا يصح الحديث عنه، على الرغم من أنها كلها كتابات لا تخرج عن نطاق "التعبير السلمي للرأي".
هذا ما يحدث عندما يصطدم أفراد هذه المنظومة الاجتماعية بأحد أفرادها يخرج بكيان فكري مستقل، يكتب ويعبر عن رأيه بلغة ذاتية: (أنا أعتقد) وفي (رأيي الشخصي) حتى تقوم قيامة المنظومة الاجتماعية التي وجدت في كتاباته الذاتية ما يهدد بناءها "الاجتماعي المتين". فتجد في بريدك الإلكتروني في اليوم التالي قائمة بالرسائل التي خجل أفرادها حتى من توقيعها بأسمائهم الحقيقية، يدعون لك بالهداية، لأنك تقول أشياء لم تلامس يوماً مدى تفكيرهم.
حينما أكتب فإنني لا أخرج عن نطاق كلمة "رأي" في كل كتاباتي، وأنتظر في المقابل أن الشخص الذي يقرؤني يمثل "رأياً" آخر. لأنني لا أفرض الوصاية الفكرية على من يقرأني، بل أشد على يده كي يتشارك معي في حديث أفكاري! على الرغم من أن هنالك من قرائي من يمارس الوصاية المطلقة علي ويفتح يديه على سعتهما في الحديث عن الثوابت، ولعمري إنه لم يصل في الإدراك لأبعد من مرمى "ثوابته" المحدودة تلك.
فستجد في مقابل كلماتك طبولاً تقرع وأن "رأيك الشخصي" قد أصاب بالريبة الأوصياء على الفكر في مجتمعاتنا واتخذ معاني أخرى مثل "مطالبة" و"تحرير" وتغريب". أحد قرائي الأوصياء الذي أرسل برسالة خجل من توقيع أسمه عليها، لا أعرف لماذا انتظر ثلاثة أشهر منذ كتابتي لمقال عن هيلاري كلينتون، حتى يتأكد من هزيمتها كي يبعث لي برسالة يناصحني بالعودة عن أفكاري وأن أجعل من هزيمة (صديقتي) هيلاري في الانتخابات مناسبة للاعتراف بأن المرأة مكانها الحقيقي (أن تهتم ببيتها ومطبخها ورعاية زوجها وأولادها) ويثني على (أوبرا وينفري التي انحازت إلى عرقها الأسود وأعلنت تأييد أوباما). متناسياً أن هيلاري كلنتون ليست أول امرأة كانت لتترشح لمنصب رئاسي، فقبلها على سبيل المثال لا الحصر بينظير بوتو، ومارجريت تاتشر وغيرهن لم يعن فوزهن أو خسارتهن لمنصب رئاسي نهاية التاريخ! من الخطأ أن نتخذ من لعبة السياسة كمصدر إثبات لقناعاتنا إذ إنها قابلة للتحول حسب المصالح والتحالفات. ثم الأهم من ذلك أن تكون معجباً بشخص لا يعني أنك تعتنق مبادئه أو آراءه، فلو قلت إنني معجبه بإرنستو تشي جيفارا لا يعني أني على دينه! المشكلة هنا كيف نقرأ؟
ويا ليت شعري، إذا كنا نعاني من ارتباك في تقييم الآراء، ونشعر بالريبة إزاء ما يفكر به الآخرون، وننشغل في بحث الضمائر عن مقاصدها، ونقرر مصائر الأفراد إلى سواء السبيل، فلنبشر بكل الأمراض النفسية ولتعمر مدننا بالمصحات العقلية. ورحم الله الحلاج حينما قال عند إعدامه إن خصومه أحب إليه من أصحابه، لأن استعدائهم له جاء من باب الغيرة على دين الله، أما الأصحاب فحبهم جاء من حسن الظن.